تعرف على سيناريوهات تنتظر الجنيه المصري بنهاية 2023.. تعويم كامل أم ثبات ؟

حالة من الاضطراب تسيطر على أسعار السلع والخدمات في مصر مدفوعةً بأنباء متداولة حول “تعويم مُرتقب” للجنيه المصري، يسحب وراءه السوق إلى موجة جديدة من ارتفاع الأسعار.

 

البعض يسوق الشواهد إلى حدوث التعويم الكامل للجنيه المصري – لا محالة – قبل نهاية العام الجاري، وآخرون يرجحون لجوء الحكومة المصرية إلى بيع المزيد من الأصول قبل اتخاذ أي خطوة تتعلق بذلك الأمر، وفريق ثالث يشير إلى تعطيل الخطوة حتى بداية عام 2024.

 

ماذا يحدث في الأسواق؟

 

يبقى السوق خير مؤشر على قوة الجنيه المصري؛ وهو ما يلمسه المواطن في حياته اليومية من خلال متابعة أسعار السلع والخدمات.

وشهد سوق الذهب على سبيل المثال حالة من التخبط بين ارتفاعات وانخفاضات على مدار الأيام الماضية أرجعها بعض الخبراء إلى أنباء ذلك التعويم المُحتمل للجنيه قريباً؛ إذ شهدت الأسواق العالمية انخفاضاً ملحوظاً في أسعار المعدن الأصفر، مدفوعة برفع البنك الفيدرالي الأمريكي لنسبة الفائدة خلال اجتماعه الأخير.

 

حالة من الركود تسيطر على الأسواق يتخللها تكالب على شراء الذهب بكميات كبيرة في محاولة لتجنب تداعيات التعويم المحتمل للجنيه، حيث ارتفعت مشتريات المصريين من الذهب ثلاثة أضعاف فقط خلال الربع الثاني من العام الجاري لتصل إلى 10.4 طن، بحسب مجلس الذهب العالمي.

 

على صعيد آخر نجد زيادة ملحوظة في أسعار الأجهزة الكهربائية مؤخراً التي تعتمد في معظمها على الاستيراد بالدولار من الخارج؛ ما يعكس قيمة العملة الخضراء في السوق السوداء، التي تتراوح بين 38 لـ 40 جنيهاً تقريباً، في حين تستقر – رسمياً – عند 30.9 جنيه.

 

وبحسب تصريحات تلفزيونية لـ “جورج زكريا” رئيس شعبة الأجهزة الكهربائية بالغرفة التجارية بالجيزة؛ فإن أسعار الأجهزة الكهربائية ارتفعت خلال العام الحالي بنسبة 35%، بينما ذكر التجار نسب ارتفاع أعلى من ذلك تصل إلى 50%.

 

كما ارتفعت أسعار عدد من السلع الأساسية، يوم الثلاثاء، بعد أن شهدت خلال الأسبوع الماضي حالة من عدم الاستقرار. وارتفع سعر الزيت بقيمة 3.31 جنيه للتر، فيما ارتفعت أسعار الفول 1.3 جنيه للكيلو، وسجّل الأرز المعبأ 27.19 جنيه للكيلو، رغم تصريحات المسؤولين في شعبة الأرز بانخفاض سعر طن الأرز الشعير إلى 12 ألف جنيه بدلاً من 20 ألف جنيه، ووجود ما يكفي من الإنتاج المحلي.

 

هذا بالإضافة إلى الارتفاع الجنوني في أسعار السجائر التي بلغت صادرات مصر منها 35 مليوناً و800 ألف دولار، خلال الأربعة أشهر الأولى من عام 2023، بحسب أحدث تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

 

وبلغة الأرقام الرسمية، سجل معدل التضخم السنوي في مصر مستوى قياسياً جديداً عند 36.5% في يوليو الماضي، وجاءت هذه الزيادة مدفوعة بارتفاع أسعار قسم الطعام والمشروبات بنسبة 68.2%.

 

كما احتلت مصر المركز السادس ضمن أعلى عشر دول في العالم في تضخم وارتفاع أسعار المواد والسلع الغذائية وذلك وفق أحدث تصنيف للبنك الدولي.

 

سيناريوهات محتملة

 

مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية وضعت سيناريوهات محتملة بشأن تعويم الجنيه، حيث ذكرت وكالة “ستاندرد آند بورز غلوبال”، في تقرير حديث أن العملة المصرية قد تتقهقر لتصل إلى 37 جنيهاً للدولار بنهاية 2023، ارتفاعاً من 30.9 جنيه.

 

وتوقعت الوكالة زيادة بمقدار 100 نقطة أساس في اجتماع البنك المركزي المصري في سبتمبر المقبل، ومثلها في اجتماع نوفمبر، ليصل معدل الفائدة الأساسي إلى 21.25%، بالتزامن مع تعديل جديد مرجَّح في سعر صرف العملة المحلية، في الوقت ذاته الذي تنتهي فيه مراجعة صندوق النقد الدولي لبرنامج مصر للإصلاحات الاقتصادية.

 

وعلى الجانب السلبي للتوقعات بشأن العملة والتضخم، قالت الوكالة إنه يمكن للسلطات أن تحافظ بشكل مصطنع على سعر الصرف ثابتاً حتى نهاية 2023. وقد يحدث هذا الأمر إن لم يتوافق التقدم في مبيعات الأصول (غير تدفق الديون).

 

وللتوقعات جانب آخر حسب “ستاندرد آند بورز غلوبال”؛ إذ يمكن أن يكون ضعف العملة المصرية أكثر حدة مما هو متوقع، خصوصاً إذا عوّم البنك المركزي الجنيه بالكامل.

 

في مثل هذا السيناريو يُرجَّح أن يتخطى سعر الصرف الجنيه مستوى 37 جنيهاً للدولار متجاوزاً بذلك التوقعات لنهاية عام 2023؛ الأمر الذي سيؤدي إلى ضغوط تضخمية أقوى، يُضطرّ معها البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس، كما فعل في ديسمبر 2022.

 

كانت الوكالة قد عدّلت نظرتها المستقبلية لمصر في أبريل الماضي من مستقرة إلى سلبية، فيما أكدت تصنيف الدين المصري طويل الأجل بالعملات الأجنبية عند (B).

 

بحسب “غولدمان ساكس”؛ فإن السلطات المصرية تشترط تحسين سيولة العملات الأجنبية في السوق قبل التحرك نحو سعر صرف مرن؛ وذلك للتقليل من مخاطر تراجع سعر الصرف على نحو كبير ولتجنب العواقب الاقتصادية السلبية المرتبطة به.

 

وأشار البنك إلى أن استمرار الوضع الحالي يُثبط الاستثمار المحلي والأجنبي أيضاً، قائلاً: “كلما ازدادت أهمية السوق الموازية كمصدر للعملات الأجنبية للتجار، زاد احتمال أن يتم تحديد الأسعار المحلية بواسطة سعر السوق الموازي بدلاً من السعر الرسمي.. وهذا يعني ضياع ميزة محتملة تتمثل في الحفاظ على عملة قوية نسبياً”.

 

وكان قد توقع مصرف “سيتي غروب” تجنب مصر لخفض قيمة الجنيه حتى سبتمبر المقبل على الأقل، مع تخفيف العائدات السياحية الوفيرة المتوقعة، ومبيعات الأصول الحكومية، من الضغط الملقى على عاتق الاقتصاد المصري.

 

من جانبها تمضي وكالة “موديز إنفستورز سيرفس” قدماً في مراجعة تصنيف مصر الائتماني، حيث تضع التقدم في أجندة الحكومة الإصلاحية على إحدى كفّتي ميزانها، مقابل مؤشرات تزايد ضعف سيولة النقد الأجنبي في البلاد على الكفة الأخرى.

 

وبدأت الوكالة قبل 3 أشهر مراجعة خفض التصنيف الائتماني لديون الدولة القابع حالياً عند مستوى “B3″، أي أقل بـ6 درجات من تصنيف الدرجة الاستثمارية، وهي الدرجة نفسها التي حصلت عليها أنغولا وتركيا ونيكاراغوا.

 

وتابعت “موديز”: “استمرار نقص سيولة العملات الأجنبية كما يتضح من السوق الموازية، يفاقمان احتمال خفض قيمة العملة الرسمية، الذي سينتج عنه زيادة التضخم، وتكاليف الاقتراض، ونسبة الدين الحكومي العام إلى مستويات أكثر اتساقاً مع مستوى تصنيف أقل، وهذا على الرغم من قدرة الحكومة الواضحة على زيادة الإيرادات والتفوق على أهداف الفائض المالي الأساسي”.

 

الجنيه.. أمن قومي

 

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، كان قد أكد منتصف يونيو الماضي أنَّ سعر الصرف في بلاده أصبح “أمناً قومياً”، وأنَّه لا يمكن لحكومته الاقتراب منه إذا كان سيؤثر على حياة المصريين.

 

وردّاً على ذلك وقتها قالت كريستالينا غورغييفا، مديرة صندوق النقد الدولي في حوار مع “الشرق”: عند وجود عدّة أسعار صرف، يحصل بعض الناس على امتيازات بينما يُحرَم آخرون منها، كما أن دعم العملة دون وجود ما يكفي من الاحتياطات من العملات الأجنبية يؤدي إلى استنزاف هذه الاحتياطات ويفاقم الأزمة.. فكيف على مصر التعامل مع ذلك؟ “.

 

وسمحت السلطات المصرية بخفض قيمة الجنيه بشكل حاد 3 مرات منذ مارس 2022 لدعم حصولها على حزمة إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي.

 

وقال الصندوق إنه يترقب إبرام صفقات خصخصة أصول الدولة، ويتوقع تطبيق سعر صرف مرن حقيقي للعملة المصرية قبل إجراء المراجعة الأولى للبرنامج.

اضف تعليق